سورة آل عمران - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
أي أنكم تعلمون شأن محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وتقفون معه موقف العناد الظاهر.
ثم أخبر اللّه تعالى عن موقف متعصب آخر لليهود، وهو أن طائفة من أحبارهم من يهود خيبر أرادوا خديعة المسلمين، فقال اللّه تعالى:


{وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)} [آل عمران: 3/ 72- 74].
والمعنى: قالت جماعة من أهل الكتاب لأتباعهم: آمنوا بمحمد أول النهار، واكفروا آخره، فإن سئلتم عن السبب، قولوا: آمنا، حتى إذا رجعنا إلى التوراة والإنجيل، عرفنا أنه ليس النبي المبشر به في التوراة، فلعل ذلك يكون مدعاة لرجوع من آمن بمحمد عن دينه، وقالوا لأتباعهم أيضا: ولا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم، ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين، فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم، فلا تظهروا ما عندكم للمسلمين حتى يتعلموه منكم، أو يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم، فتتغلب حجتهم عليكم في الدنيا والآخرة، فرد اللّه عليهم بأن اللّه هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان، بما ينزل على رسوله من الآيات البينات، أي ليس إظهاركم للحق أو إخفاؤكم، له دخل في الهداية، بل الهداية من اللّه وتوفيقه، والفضل بيد اللّه، يؤتيه من يشاء، ويختص برحمته من يشاء، كإعطاء النبوة لمحمد، واللّه دائما ذو الفضل العظيم.
وهذا تكذيب لليهود في قولهم: نبوة موسى مؤبدة، ولن يؤتي اللّه أحدا مثل ما آتى بني إسرائيل من النبوة والشرف. إن النبوة اصطفاء واختيار من اللّه، لا من أجل مصلحة أحد، وإنما للمصلحة العامة.
الأمانة والأيمان عند اليهود:
لقد أنصف القرآن الكريم اليهود، فأخبر أنهم قسمان في الأمانة وحلف الأيمان، فمنهم من يتصف بالأمانة التامة، ومنهم من يتصف بالخيانة وعدم الوفاء بالعهد واستحلالهم أكل أموال العرب. ومنهم من يحلف بالله صدقا، ومنهم من يحلف بالله كذبا وافتراء.
وأنزل اللّه تعالى آيات في كتابه المجيد تعبر عن حقيقة الفئتين، وتتحدث عن صفة الأمانة والخيانة، وعن الكذب في الأيمان ونقض العهد.
قال اللّه تعالى:


{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (77)} [آل عمران: 3/ 75- 77].
أما الآية الأولى فتذكر أن بعض أهل الكتاب من اليهود يستحلون أكل أموال غير اليهود، زاعمين أن التوراة لم تنههم إلا عن خيانة إخوانهم الإسرائيليين، وأما الأميون العرب وغير العرب فليس عليهم ذنب في أكل أموالهم، إذ هم شعب اللّه المختار، ومن سواهم لا حرمة له عند اللّه، فهو مبغوض ولا حق ولا حرمة له، وعند ذلك يحل أكل ماله وهم يفترون على اللّه الكذب في هذا، لأن كل الشعوب والأمم سواء في صون الحقوق الإنسانية، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ} [الحجرات: 49/ 13].
وسبب نزول هذه الآية: أن جماعة من العرب كانت لهم ديون في ذمم قوم من أهل الكتاب، فلما أسلم أولئك العرب، قالت لهم اليهود: نحن لا نؤدّي إليكم شيئا حين فارقتم دينكم (أي الدين الوثني) الذي كنتم عليه، فنزلت الآية في ذلك.
وروي أيضا: كان بنو إسرائيل يعتقدون استحلال أموال العرب لكونهم أهل أوثان، فلما جاء الإسلام، وأسلم من أسلم من العرب، بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد، فنزلت الآية حامية من ذلك.
ثم رد اللّه تعالى عليهم بقوله: {بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} أي لا صحة لما قالوا ولا حجة لهم في استحلال أموال غيرهم، وعليهم صيانة الحقوق والوفاء بالذمم والعهود، فمن أوفى بالعهد واتقى عقوبة اللّه في نقضه، فإنه محبوب عند اللّه.
ثم ذكر اللّه سبحانه وعيده وتهديده لمن فعل هذه الأفاعيل، فجحد الحقوق، ونقض المواثيق، وحلف الأيمان الكاذبة، وهؤلاء هم أهل الغدر والخيانة، وجزاؤهم أنه لا نصيب لهم في الآخرة أصلا، ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة كلام رحمة، غضبا عليهم، ولا ينظر إليهم نظرة عطف ورحمة، ولا يزكيهم بالثناء عليهم أصلا ولهم عذاب أليم، قال عبد اللّه بن مسعود: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- فيما رواه أصحاب الكتب الستة-: «من حلف على يمين، وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم، لقي اللّه وهو عليه غضبان». فقال الأشعث بن قيس: فيّ واللّه نزلت الآية، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدّمته إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: لك بينة؟ قلت: لا، فقال لليهودي: أتحلف؟ قلت: إذن يحلف، فيذهب بمالي، فأنزل اللّه عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا} الآية.
إحقاق الحق وإبطال الشرك:
إن منهج الإسلام الأساسي في إصلاح العقيدة: هو إحقاق الحق وتثبيت معالمه وصرحه، وإبطال الشرك وهدم معاقله وحصونه، وليس هناك أخطر على الأمة من تشوية عقيدتها، وتحريف كتاب اللّه، وتأويل الكلام تأويلا باطلا، وليس هناك أيضا أضر على الإنسان من الشرك والوثنية واتخاذ الأرباب مع اللّه ظلما وزورا، وافتراء وبهتانا.
وقد ضل جماعة من علماء أهل الكتاب وأحبارهم، فلووا ألسنتهم في كتاب اللّه، ليميلوها عن الآيات المنّزلة الصحيحة إلى العبارات المبدلة المحرّفة، فزادوا في كلام اللّه، أو نقصوا، أو حرفوا الكلم عن مواضعه، أو قرءوا كلامهم بأنغام وتراتيل، ليوهموا الناس بأنه من التوراة، وأن الكتاب جاء بذلك ليحسبه المسلمون حقا وصدقا، والواقع أنه ليس من كلام اللّه، ويقولون على اللّه الكذب، وهم يعلمون أنه مخترع مبدّل محرّف، ليس من عند اللّه، وإنما هو من عند الشيطان والهوى، وهذا ليس تلميحا أو إيماء، وإنما يصرحون بذلك لقسوة قلوبهم وجرأتهم على اللّه.
قال اللّه تعالى مبينا هذا الموقف:

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11